فصل: تفسير الآيات (33- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (33- 34):

{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}
{لكم فيها منافع} الرُّكوب والدَّرُّ والنَّسل {إلى أجل مسمى} وهو أن يُسمِّيها هدياً {ثمَّ محلها} حيث يحلُّ نحرها عند {البيت العتيق} يعني: الحرم كلَّه.
{ولكلِّ أمة} جماعةٍ سلفت قبلكم {جعلنا منسكاً} ذبحاً للقرابين {ليذكروا اسم الله} عند الذَّبح {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} يعني: الأنعام {فإلهكم إله واحد} أَيْ: لا تذكروا على ذبائحكم إلاَّ الله وحده {فله أسلموا} أخلصوا العبادة {وبشر المخبتين} المتواضعين.

.تفسير الآيات (36- 40):

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}
{والبدن} الإبل والبقر {جعلناها لكم من شعائر الله} أعلام دينه {لكم فيها خيرٌ} النَّفع في الدُّنيا، والأجر في العقبى {فاذكروا اسم الله} وهو أن يقول عند نحرها: الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر {صواف} قائمةً معقولة اليد اليسرى {فإذا وجبت جنوبها} سقطت على الأرض {فكلوا منها وأطعموا القانع} الذي يسألك {والمعتر} الذي يتعرَّض لك ولا يسألك. {كذلك} الذي وصفنا {سخرناها لكم} يعني: البدن {لعلَّكم تشكرون} لكي تطيعوني.
{لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} كان المشركون يُلطِّخون جدار الكعبة بدماء القرابين، فقال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} أَيْ: لن يصل إلى الله لحومها ولا دماؤها {ولكن يناله التقوى منكم} أَيْ: النِّيَّةُ والإِخلاص وما أريد به وجه الله تعالى. {لتكبروا الله على ما هداكم} إلى معالم دينه {وبشر المحسنين} المُوحِّدين.
{إن الله يدفع} غائلة المشركين عن المؤمنين {إنَّ الله لا يحب كل خوَّانٍ} في أمانته {كفور} لنعمته، وهم الذين تقرَّبوا إلى الأصنام بذبائحهم.
{أُذِنَ للذين يقاتلون} يعني: المؤمنين، وهذه أوَّلُ آيةٍ نزلت في الجهاد والمعنى: أُذن لهم أن يُقاتلوا {بأنهم ظلموا} بظلم الكافرين إيَّاهم {وإنَّ الله على نصرهم لقدير} وعدٌ من الله تعالى بالنَّصر.
{الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} يعني: المهاجرين {إلاَّ أن يقولوا ربنا الله} أَيْ: لم يُخرجوا إلاَّ بأن وحَّدوا الله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} لولا أن دفع الله بعض النَّاس ببعض {لهدِّمت صوامع وبيعٌ} في زمان عيسى عليه السَّلام {وصلوات} في أيَّام شريعة موسى عليه السَّلام، يعني: كنائسهم وهي بالعبرانيَّة صلوتا {ومساجد} في أيام شريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم {ولينصرنَّ الله من ينصره} يعني: مَنْ نصر دين الله نصره الله على ذلك {إن الله لقوي} على خلقه {عزيز} منيعٌ في سلطانه.

.تفسير الآيات (41- 46):

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
{الذين إن مكناهم في الأرض} يعني: هذه الأمَّة إذا فتح الله عليهم الأرض {أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} أَيْ: آخر أمور الخلق ومصيرهم إليه، ثمَّ عزَّى نبيَّه فقال: {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعادٌ وثمود}.
{وقوم إبراهيم وقوم لوط}.
{وأصحاب مدين وكُذِّب موسى فأمليت للكافرين} أَيْ: أمهلتهم {ثم أخذتهم} عاقبتهم {فكيف كان نكير} إنكاري عليهم ما فعلوا بالعذاب.
{فكأين من قرية} وكم من قريةٍ {أهلكناها وهي ظالمة} بالكفر {فهي خاوية} ساقطةٌ {على عروشها} سقوفها {وبئر مُعَطَّلَةٍ} متروكةٍ بموت أهلها {وقصر مشيد} رفيعٍ طويلٍ.
{أفلم يسيروا في الأرض} يعني: كفَّار مكَّة {فينظروا} إلى مصارع الأمم المكذبة، وهو قوله: {فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} فيتفكَّروا ويعتبروا، ثم ذكر أن الأبصار لا تعمى عن رؤية الآيات، ولكن القلوب تعمى، فلا يتفكروا ولا يعتبروا.

.تفسير الآيات (47- 48):

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}
{ويستعجلونك بالعذاب} كانوا يقولون له: {فَأْتِنا بما وعدتنا إن كنت من الصَّادقين} فقال الله تعالى: {ولن يخلف الله وعده} الذي وعدك من نصرك وإهلاكهم، ثمَّ ذكر أنَّ لهم مع عذاب الدُّنيا في الآخرة عذاباً طويلاً، وهو قوله تعالى: {وإنَّ يوماً عند ربك} أَيْ: من أيَّام عذابهم {كألف سنة مما تعدون} وذلك أن يوماً من أيَّام الآخرة كألفِ سنةٍ في الدُّنيا، ثمَّ ذكر سبحانه أنَّه قد أخذ قوماً بعد الإِمهال فقال: {وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمَّ أخذتها وإليَّ المصير}.

.تفسير الآيات (51- 55):

{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
{والذين سعوا في آياتنا} عملوا في إبطالها {معاجزين} مُقدِّرين أنَّهم يُعجزوننا ويفوتوننا.
{وما أرسلنا من قبلك من رسول} وهو الذي يأتيه جبريل عليه السًّلام بالوحي عياناً {ولا نبيّ} وهو الذي تكون نبوَّته إلهاماً ومناماً {إلاَّ إذا تمنى} قرأ {ألقى الشيطان} في قراءته ما ليس ممَّا يقرأ، يعني: ما جرى على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قرأ سورة (والنجم) في مجلس من قريش، فلما بلغ قوله تعالى: {ومناة الثَّالثة الأخرى} جرى على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإنَّ شفاعتهنَّ لترتجى ثمَّ نبَّهه جبريل عليه السَّلام على ذلك، فرجع وأخبرهم أنَّ ذلك كان من جهة الشَّيطان، فذلك قوله: {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثمَّ يحكم الله آياته} يُبيِّنها حتى لا يجد أحدٌ سبيلاً إلى إبطالها {والله عليم} بما أوحى إلى نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم {حكيم} في خلقه، ثمَّ ذكر أنَّ ذلك ليفتن الله به قوماً، فقال: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة} ضلالةً {للذين في قلوبهم مرض} وهم أهل النِّفاق {والقاسية قلوبهم} المشركين {وإنَّ الظالمين} الكافرين {لفي شقاق بعيد} خلافٍ طويلٍ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{وليعلم الذين أوتوا العلم} التَّوحيد والقرآن {أنه الحق} أَيْ: الذي أحكم الله سبحانه من آيات القرآن، وهو الحقُّ {فتخبت له قلوبهم} فتخشع.
{ولا يزال الذين كفروا في مرية} في شكٍّ {منه} ممَّا أُلقي على لسان الرَّسول صلى الله عليه وسلم {حتى تأتيهم الساعة} القيامة {بغتة} فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} يعين: يوم بدرٍ، وكان عقيماً عن أني كون للكافرين فيه فرحٌ أو راحةٌ، والعقيم معناه: التي لا تلد.

.تفسير الآيات (56- 66):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
{الملك يومئذ} يعني: يوم القيامة {لله} وحده من غير مُنازعٍ ولا مُدَّعٍ {يحكم بينهم} ثمَّ بيَّن حكمه فقال: {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم}.
{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}.
{والذين هاجروا} فارقوا أوطانهم وعشائرهم {في سبيل الله} في طاعة الله {ثمَّ قتلوا أو ماتوا لَيَرْزُقّنَّهُمُ الله رزقاً حسناً} في الجنَّة.
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مدخلاً} أَيْ: إدخالاً وموضعاً {يرضونه} وهو الجنة.
{ذلك} أَيْ: الأمر ذلك قصصنا عليك {ومَنْ عاقب بمثل ما عوقب به} أَيْ: جازى العقوبة بمثلها {ثم بغي عليه} ظُلم {لينصرنَّه الله} يعني: المظلوم.
{ذلك} أَيْ: ذلك النَّصر للمظلوم بأنَّه القادر على ما يشاء، فمن قدرته أنَّه {يولج الليل في النهار} يزيد من هذا في ذلك، ومن ذلك في هذا، والباقي ظاهرٌ إلى قوله: {إنَّ الإنسان لكفور} يعني: إنَّ الكافر لجاحدٌ لآيات الله تعالى الدَّالة على توحيده.

.تفسير الآيات (67- 68):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}
{لكلّ أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه} شريعةً هم عاملون بها {فلا يُنازِعُنَّكَ} يُجادِلُنَّكَ {في الأمر} نزلت في الذين جادلوا المؤمنين فقالوا: ما لكم تأكلون ما تقتلون، ولا تأكلون ممَّا قتله الله؟
{وإن جادلوك} بباطلهم مِراءً وتعنُّتاً فادفعهم بقولك: {الله أعلم بما تعملون} من التَّكذيب والكفر.

.تفسير الآيات (70- 76):

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}
{ألم تعلم أنَّ الله يعلم ما في السماء والأرض إنَّ ذلك} كلَّه {في كتاب} يعني: اللَّوح المحفوظ {إن ذلك} يعني: علمه بجميع ذلك {على الله يسير}.
{ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به} بعبادته {سلطاناً} حجَّةً وبرهاناً {وما ليس لهم من به علم} لم يأتهم به كتابٌ ولا نبيٌّ {وما للظالمين} المشركين {من نصير} مانعٍ من عذاب الله تعالى.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} يعني: القرآن {تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} الإِنكار بالعبوس والكراهة {يكادون يسطون} يقعون ويبطشون {بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم} بِشَرٍ لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون {النار} أَيْ: هي النَّار.
{يا أيها الناس} يعني: يا أهل مكَّة {ضرب مثل} بُيِّن لكم ولمعبودكم شَبَهٌ {فاستمعوا له إنَّ الذين تدعون من دون الله} من الأصنام {لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا} كلُّهم لخلقه {وإن يسلبهم الذباب شيئاً} ممَّا عليهم من الطَّيب {لا يستنقذوه منه} لا يستردُّوه منه لعجزهم {ضعف الطالبُ والمطلوب} يعني: العابد والمعبود، والطَّالب: الذُّباب يطلب من الصَّنم ما لطِّخ به من الزَّعفران والطِّيب، وهو مَثَلٌ لعابده يطلب منه الشَّفاعة والنُّصرة، والمطلوب: الصنم.
{ما قدروا الله حق قدره} ما عظَّموه حقَّ تعظيمه إذ أشركوا به ما لا يمتنع من الذُّباب ولا ينتصر منه.
{الله يصطفي من الملائكة رسلاً} مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السَّلام {ومن الناس} يعني: النبيِّين عليهم السَّلام {إنَّ الله سميع} لقول عباده {بصير} بمَنْ يختاره.
{يعلم ما بين أيديهم} ما عملوه {وما خلفهم} وما هم عاملون ممَّا لم يعلموه.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
{وجاهدوا في الله} في سبيل الله {حق جهاده} بنيَّةٍ صادقةٍ {هو اجبتاكم} اختاركم لدينه {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ضيقٍ؛ لأنَّه سهَّل الشَّريعة بالتَّرخيص {ملَّة أبيكم} اتبعوا ملَّة أبيكم {إبراهيم} كان هو في الحرمة كالأب صلى الله عليه وسلم، ولذلك جُعل أبا المسلمين {هو سماكم} أَيْ: الله تعالى سمَّاكم {المسلمين من قبل} أي: من قبل القرآن في سائر الكتب {وفي هذا} يعني: القرآن {ليكون الرسول شهيداً عليكم} وذلك أنَّه يشهد لمَنْ صدَّقه، وعلى مَنْ كذَّبه {وتكونوا شهداء على الناس} تشهدون عليهم أنَّ رسلهم قد بلَّغتهم، وقوله: {واعتصموا بالله} أَيْ: تمسَّكوا بدينه {هو مولاكم} ناصركم ومتولي أموركم {فنعم المولى ونعم النصير}.